الأربعاء، 21 يناير 2009

حلم ليلة مقمرة




كنت في خلوة مع نفسي أفكر فغفوت قليلا, فرأيت فيما يرى النائم أني أسير و معي كتاب أقرأ فيه و لا أبالي بالطريق الممتد أمامي و الذي يتحول تدريجيا من المدنية و جفافها إلى منطقة ريفية يمتد الزرع المنمق على جانبي طريقها, و الأشجار تتراقص من حولي مع النسيم و كأنها تدعوني إلى الرقص معها. و على الرغم من عدم اهتمامي بما حولي إلا أني كنت في سعادة غريبة تحولت إلى نشوة تدفعني إلى التقدم للأمام حتى بدأت البساتين تتحرر من تدخل الإنسان فيها و تعود إلى شكلها البري ذو الطرق المتعرجة و الأشجار الطويلة المتشابكة الأغصان التي تحجب أشعة الشمس فيكسي ظل الأغصان كل شيء من حولي. و فجأة, سمعت صوت أنين يصدر من خلف شجرة قريبة فألقيت الكتاب جارية نحو مصدر الصوت فوجدت ذئب جريح يئن من الألم, فأخذتني المفاجأة و قليل من الخوف فأنا لم أقابل ذئب من قبل, و لكني سرعان ما تمالكت نفسي حين وجدته يطلب المساعدة بعينيه و إن كان يحاول الهرب مني. فتقدمت نحوه و حملته إلى قناة صغيرة و غسلت له جرحه و ضمدت جرحه بقطعة من ملابسي و كان هو في هذه الأثناء قد غاب عن الوعي فانتهزت الفرصة و قمت أبحث له عن غذاء فوجدت طائر صغير استطعت أن أمسك به و أحضرته إلى الذئب الجريح الذي التهمه فور يقظته و أنا متعجبة من منظر الطائر الذي لم يحاول الهرب بل بدا و كأنه يذهب إلى الذئب بمحض إرادته.
بعد عدة ساعات استطاع الذئب الوقوف مرة ثانية و الحركة ببطء و أخذ يقترب نحوي ليشكرني و لكني كنت نائمة, فخيل إلي أنه يحدثني و يعطيني شيء ما هو إلا لعبة الفقاعات التي طالما كنت ألهو بها في صباي و أتأمل الفقاعات و هي تنمو داخل الدائرة المفرغة حتى تنفصل عنها طائرة في الهواء و أنا أتابعها بعيني في فرح و كأني أطير معها. و إذا بالذئب يقول لي "قبل نهاية كل عام أخرجي هذه اللعبة و أنفخي في إطارها الدائري ستجدي بداخل كل فقاعه الأشياء التي لم تلتفتي لوجودها طوال العام ربما تحتاجين إلي استعادتها مرة أخرى قبل فوات الأوان" فاستيقظت فلم أجد الذئب و لكني وجدت في يدي علبة الفقاعات فوضعتها في حقيبتي و تناولت كتابي مرة أخرى و رجعت من حيث أتيت. و بالفعل نفذت ما أمرني به الذئب ففي نهاية كل عام أنفخ في إطار اللعبة الدائري فتخرج ملايين الفقاعات الصغيرة تحمل أحلام و أماني لم أستطع تحقيقها و أشياء لم أستطع الحفاظ عليها و صور لإناس باعدت بيني و بينهم الحياة, و كنت أحاول قدر استطاعتي أن استعيد ما فقدته فأنجح أحيانا و أفشل أحيانا أخرى... حتى جاءت نهاية هذه السنة و نفخت في اللعبة فخرجت منها فقاعه واحده كبيره تحمل بداخلها قلب و ظلت ترتفع و تبتعد و أنا أتابعها بعيني و هممت أن أطير ورائها فاستيقظت من نومي و أنا رافعه يدي فرأيت القلب و قد وصل إلى بلاد بعيده و صوت الذئب في أذني يقول "كنت في كل عام انتظر أن تجدي الحب لتشتعل نيران الحياة فيكي من جديد بعد أن كادت تخبو ولكني الأن لا أعرف إن كنت قد فقدت قلبك أم فقدت قلب من يحبك و في كلا الأمرين حاولي أن تستعيدي هذا القلب لأنه جدير بذلك و لا تخافي فمهما بعدت المسافات و طال الوقت لابد أن يعود المسافر" و بحركة لا إرادية وضعت يدي على صدري فإذا بي لا أجد قلبي فنظرت صوب البلاد البعيدة فوجدت قلبي محلقا هناك يدعو للمسافر و يطمئنه بقرب الرجوع فازدادت حيرتي و رفعت رأسي للسماء فوجدت القمر مكتمل و بداخله وجه الذئب يبتسم لي من بعيد.




أغسطس 2008



هناك تعليقان (2):

  1. أجمل جزء:
    كنت في كل عام انتظر أن تجدي الحب لتشتعل نيران الحياة فيكي من جديد بعد أن كادت تخبو ولكني الأن لا أعرف إن كنت قد فقدت قلبك أم فقدت قلب من يحبك و في كلا الأمرين حاولي أن تستعيدي هذا القلب لأنه جدير بذلك و لا تخافي فمهما بعدت المسافات و طال الوقت لابد أن يعود المسافر

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة بالتعليق و شكرا جزيلا لك :)

      حذف