الخميس، 11 مارس 2010

عصا أم نظارة سوداء أم الاثنين معا



لم تتجمع كل الأفكار و أنت تسير وحدك في الطريق؟ هل لتسلية وحدتك أم أنها جاءت في الوقت المناسب؟. كنت أسير وحدي أتعجب من هذا السؤال الذي طرأ على ذهني عندما وجدت أمامي سور لحديقة لم تكن موجودة من قبل بهذا الطريق. فأخذت أفكر "هل كانت هذه الحديقة موجودة بالأمس و كيف ينتهي هذا الطريق بهذه الحديقة أم أني أحلم أم ماذا؟" لم أطل التفكير بل اندفعت على غير عادتي بداخل الحديقة غير مقدر للعواقب و عندما دخلت وجدت أجمل المناظر الطبيعية التي يتمنى المرء مجرد الحلم بها ووجدت رجل عجوز يجلس على مقعد جميل و بجانبه عصاه و يرتدي نظارة سوداء فذهبت و ألقيت عليه السلام فردٌه بود ظاهر شجعني أن أجلس بجواره و أبدأ الحديث فسألته إن أراد شئ أقضيه له فقد ظننت- و لي الحق- أنه أعمى من نظارته و عصاه الجالسة قرب يده فرد علي الرجل "أنا لست بأعمى و لكني زهدت البصر لما حولي" فنظرت لما حولي من أشياء فاقت الخيال جمالا و ابتعدت في مجلسي عنه و أنا مسيء الظن بعقله و قلت " ما هذا الكلام؟" فرد عليَ الرجل مبتسما " يا بني لا تظن السوء بي لقد مرت علي سنوات بأضعاف عمرك جعلتني أرى ما لا تراه و أغض بصري عما يريد غيري أن يراه. يا بني هناك نوعان من الرؤية: أن ترى بعينيك و أن ترى بقلبك و لقد اكتفيت بالثانية بعدما أخطأت و أحسنت الظن بالأولى و شغلت بها فأخذت تصور لي الدنيا ممتدة في طريق طويل يتسع و يمتلئ بالأوهام و ألهتني عن قلبي و ما يراه فأخذتني بعيدا عمن أحب و لم أفق إلا وقد صاروا بعيدا, أمد يدي لألمس أطراف ثوب عمر مضى و فات فلا أعرف إن كانت يدي قد قصرت مع الأيام أم أن البعد كان أطول من أن أمد إليه يد أو حتى أعدو إليه إن ساعدتني بقايا أمل يبث في جسدي قليل من حياة. تتعجب من النظارة السوداء! إن هي إلا اختيار. إني لم أعد أرى فيما حولي إلا بقايا ذابلة و ماذا يفيد البصر إذا فقدت البصيرة, إذا فقدت القدرة على الإحساس بالجمال, إن الإنسان لا يشعر بالجمال إلا في عيون محبيه كيف أرى الجمال إن لم أرى ابتسامة سعادة في عيون من حولي؟ لم يتبق لي سوى الاشتياق و الانتظار و أمل لا يزال يصاحب شفتي يمنيني بلقاء أحباء الأمس فيعود قلبي ليستيقظ من جديد و أرى جمال اشتاقت عيني لرؤياه". فنظرت إلى الرجل بعين ممتلئة بالدموع, و مددت يدي إليه فأخذت منه عصاه و نظارته السوداء, و مضيت مبتعدا عنه مسائل نفسي " لما لم يعترض الرجل على فعلي المتصابي هذا؟" فنظرت ورائي فلم أجد الرجل و لا الحديقة بل لم أرى أي شئ سوى ظلال باهت من خلف نظارته.. أقصد نظارتي السوداء فأخذت أتلمس طريقي بعصاي الجديدة....


10-3-2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق